يشهد قطاع الرعاية الصحية تحولاً ملحوظاً بفضل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءاً أساسياً من تحسين جودة الرعاية وكفاءة الخدمات المقدمة.
ومن بين أبرز المجالات التي يمكن أن يُحدث فيها الذكاء الاصطناعي تأثيراً كبيراً هو تدوين الملاحظات الطبية، إذ يسهم في تسهيل عملية جمع وتوثيق المعلومات الدقيقة والمحدثة للمرضى.
في هذا السياق، لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على الأتمتة فحسب، بل يمتد ليشمل تحسين دقة البيانات الطبية وتحليلها بطريقة تدعم اتخاذ القرارات الطبية وتساهم في تحسين تجربة المرضى.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى تضاعف الاستثمار في تطبيقات تدوين الملاحظات الطبية بالذكاء الاصطناعي في العام 2024، في وقت تتسابق فيه شركات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك مايكروسوفت وأمازون والشركات الناشئة للحصول على حصة من سوق الرعاية الصحية بالذكاء الاصطناعي البالغة 26 مليار دولار.
ووفق بيانات PitchBook، فقد جمعت شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة في هذا القطاع 800 مليون دولار في 2024، مقارنة بـ 390 مليون دولار في عام 2023.
من بين تلك الشركات الناشئة مثل Nabla و Heidi و Corti و Tortus ، التي جمعت أموالاً العام الماضي، مع داعمين بما في ذلك Khosla Ventures و Entrepreneur First والملياردير الفرنسي كزافييه نيل.
ويأتي ارتفاع التمويل مع اندفاع المجموعات لإطلاق منتجات تعمل بالذكاء الاصطناعي تهدف إلى تسريع الأطباء في تدوين الملاحظات الطبية وتحسين تفاعل المرضى، حيث أصبحت الصحة مجال نمو رئيسي في طفرة الذكاء الاصطناعي.
وأطلقت مايكروسوفت، التي تمتلك شركة التعرف على الكلام بالذكاء الاصطناعي Nuance، بالإضافة إلى Amazon و Oracle ما يسمى بـ AI co-pilots للأطباء الذين يستخدمون نماذج لغوية كبيرة والتعرف على الكلام لتوليد نصوص زيارات المرضى تلقائياً، وتسليط الضوء على التفاصيل ذات الصلة طبيًا وإنشاء ملخصات سريرية.
وينقل التقرير عن طبيب الرعاية الأولية في جنوب لندن، هاربريت سود، والذي كان يجرب تطبيق شركة Nabla الفرنسية الناشئة على مدار الأشهر الخمسة عشر الماضية:
- "لا أعتقد بأنني رأيت أي شيء أكثر تحولاً في 15 عاماً من الرعاية الصحية من هذا".
- في عيادة يوم كامل تضم حوالي 40 مريضاً، يمكن أن يستغرق تدوين الملاحظات التقليدي ساعتين على الأقل من وقت الكتابة.
- "لقد كان (تطبيق الذكاء الاصطناعي) رائعاً، حيث وفر بسهولة 3-4 دقائق من كل استشارة (مدتها 10 دقائق) وساعد في الاستشارة".
يستخدم تطبيق Nabla لتدوين الملاحظات Whispe، وهي أداة نسخ من صانعة تشات جي بي تي OpenAI، وقد تم استخدامه لنسخ حوالي 7 ملايين زيارة طبية اعتباراً من أكتوبر من العام الماضي.
وتجرب المستشفيات والأطباء العموميون في جميع أنحاء هيئة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة تدوين الملاحظات باستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتوفير الوقت وتحسين التفاعلات بين الطبيب والمريض. ووفقا لدراسة أجرتها Mayo Clinic، يقضي الأطباء في المتوسط ثلث يوم عملهم في الأعمال الإدارية، مثل الأعمال الورقية.
وفي الوقت نفسه، قالت شركة مايكروسوفت إن أداة DAX Copilot منNuance، التي تم إطلاقها منذ أكثر من عام بقليل، توثق الآن أكثر من 1.3 مليون لقاء بين طبيب ومريض كل شهر في أكثر من 500 مجموعة رعاية صحية أميركية.
وقالت شركة Nuance، التي اشترتها مايكروسوفت مقابل ما يقرب من 20 مليار دولار في العام 2022، إن أداة الذكاء الاصطناعي تقلل من الوقت الذي يقضيه الأطباء في التوثيق السريري بنسبة 50%.
ومع ذلك، أثار ارتفاع تدوين الملاحظات الطبية انتقادات من الباحثين حول مخاطر الاختراعات التي يولدها الذكاء الاصطناعي، والمعروفة باسم "الهلوسة"، والتي يمكن أن تكون ضارة بشكل خاص في سياق طبي، فضلاً عن مسألة خصوصية بيانات المرضى.
نقلة نوعية
يقول استاذ الاقتصاد الدولي، الخبير الاقتصادي الدكتور علي الإدريسي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُعد من أبرز الابتكارات التي تعد بإحداث نقلة نوعية في قطاع الرعاية الصحية.
تتيح هذه التقنيات استخدامات متنوعة ومؤثرة، تشمل ما يلي:
- تحليل الصور الطبية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل صور الأشعة السينية والرنين المغناطيسي للكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب.
- تحليل السجلات الطبية: يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد أنماط الإصابة بالأمراض وتوقع الحالات الصحية المستقبلية.
- العلاج المخصص: من خلال التحليل الجيني والبيانات الصحية، يمكن تطوير خطط علاجية مصممة لكل مريض.
- المتابعة عن بُعد: تطبيقات الذكاء الاصطناعي تُمكن من مراقبة صحة المرضى عن بُعد، والتذكير بالمواعيد والأدوية.
ويلفت إلى أن ثمة فرصا متاحة في تعزيز توظيف تطبيقات الـ AI بصفة عام، تتمثل في:
- تحسين كفاءة الرعاية الصحية، من خلال (تقليل الأخطاء الطبية وزيادة دقة التشخيص، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق النائية).
- خفض التكاليف من خلال تقليل النفقات عبر تحسين إدارة الموارد والاعتماد على الحلول الذكية.
- التوسع في الخدمات الصحية، وذلك ب توفير خدمات طبية رقمية على نطاق أوسع، مثل الطب عن بُعد..
على الجانب الآخر، فإن ثمة تحديات في هذا السياق، من بينها ما يرتبط بمخاوف "الخصوصية والأمان"، وضرورة حماية البيانات الصحية للمرضى من الهجمات السيبرانية.
كذلك من بين التحديات أيضاً ما يتمثل في "التكاليف الأولية المرتفعة"، باعتبار أن تطبيق الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات ضخمة في المراحل الأولى. ويلفت في السياق نفسه إلى المعضلة المرتبطة بتأثير "الاعتماد المفرط"؛ أو مخاطر الاعتماد على الأنظمة الذكية دون التحقق من دقة النتائج.
وكذلك التحدي المرتبط بعدم المساواة في التوزيع، لجهة وجود تفاوت بين الدول المتقدمة والدول النامية في القدرة على تطبيق هذه التقنيات.
ويؤكد الإدريسي أن توظيف الذكاء الاصطناعي بفعالية في قطاع الرعاية الصحية يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والقطاع الخاص، بالإضافة إلى الاستثمار في البنية التحتية والتعليم، مشدداً على ضرورة معالجة التحديات الأخلاقية والتقنية لضمان تقديم خدمات صحية أكثر أماناً وكفاءة.
سوق متطورة
ومن المتوقع أن ينمو الذكاء الاصطناعي في صناعة الرعاية الصحية من 14.92 مليار دولار أميركي في عام 2024 ليصل إلى 164.16 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بحسب تقرير لـ marketsandmarkets.
ويشير التقرير إلى أن:
- سوق الذكاء الاصطناعي في حلول الرعاية الصحية يشهد نمواً سريعًا بسبب عدة عوامل.
- من بين هذه العوامل التركيز المتزايد على الرعاية الصحية المبنية على القيمة، وزيادة إنشاء المنشآت الصحية مثل المستشفيات ومراكز التصوير الطبي، وكذلك الاستخدام المتزايد لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في رعاية كبار السن، مما يوفر فرصاً مربحة لنمو السوق.
- ومع ذلك، تواجه السوق تحديات تتمثل في نقص المهنيين المتخصصين لتشغيل أدوات وحلول الرعاية الصحية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات.
تحول جذري
المستشار الأكاديمي بجامعة ولاية سان خوسيه الأميركية وخبير تكنولوجيا المعلومات، الدكتور أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن قطاع الرعاية الصحية يشهد تحولاً جذرياً بفضل التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ حيث أصبح هذا الابتكار التكنولوجي ركيزة أساسية لتحسين جودة الخدمات الصحية وتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة التشغيلية.
- التشخيص الذكي والمتقدم: الذكاء الاصطناعي يتيح تحليلاً دقيقاً للصور الطبية مثل الأشعة السينية والمقطعية، ما يعزز من دقة التشخيص ويساعد في الكشف المبكر عن الأمراض مثل السرطان وأمراض القلب.
- تحسين خدمات التطبيب عن بُعد: استخدام أنظمة ذكاء اصطناعي لتحليل بيانات المرضى بشكل فوري يوفر للأطباء توصيات دقيقة بناءً على أحدث الدراسات الطبية.
- إدارة وتحليل البيانات الضخمة: الذكاء الاصطناعي يساعد في استخراج الأنماط من البيانات الصحية الهائلة، ما يسهم في التنبؤ بالأوبئة وتصميم خطط علاجية مخصصة بناءً على الاحتياجات الفردية.
- تطوير الأدوية والعلاجات الشخصية: يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع عملية اكتشاف الأدوية من خلال تحليل الجينات والتوصل إلى علاجات تناسب كل مريض على حدة.
- الجراحات الدقيقة باستخدام الروبوتات: استخدام الروبوتات المزودة بذكاء اصطناعي لإجراء عمليات جراحية عالية الدقة يقلل من الأخطاء الطبية ويرفع نسب نجاح العمليات.
وعن سبل توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع، يلفت إلى:
- التدريب المتخصص للكوادر الطبية: تعزيز مهارات العاملين في المجال الصحي لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بأعلى كفاءة ممكنة.
- دعم الشراكات بين القطاعات: تشجيع التعاون بين الحكومات، المؤسسات الصحية، وشركات التكنولوجيا لتطوير حلول مبتكرة تُحدث فرقاً ملموساً في الخدمات الصحية.
- تعزيز البنية التحتية الرقمية: الاستثمار في نظم تخزين ومعالجة البيانات مثل الحوسبة السحابية والتقنيات المتقدمة لضمان جاهزية الأنظمة الذكية.
- وضع أطر قانونية شاملة: تبني سياسات تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتحمي خصوصية المرضى وتضمن أمن بياناتهم.
ويشدد بانافع على أن الذكاء الاصطناعي يتيح مزيداً من الفرص بقطاع الرعاية الصحية، لجهة تقديم خطط علاجية مخصصة وخدمات طبية أسرع وأكثر دقة، فضلاً عن تقليل عبء المهام الإدارية عن الطواقم الطبية من خلال أتمتة العمليات الروتينية، وكذلك دوره في إيصال الرعاية الصحية إلى المجتمعات البعيدة والمحرومة باستخدام أنظمة ذكية متقدمة.
فيما يحذر من أن ثمة مجموعة من المخاطر والتحديات، على النحو التالي:
- حماية البيانات الصحية: تزايد المخاوف بشأن اختراق البيانات الصحية وسوء استخدامها.
- الكلفة العالية للتكنولوجيا: الحاجة إلى استثمارات مالية كبيرة لتطوير البنية التحتية واعتماد الأنظمة الذكية.
- التغيير الثقافي في القطاع الصحي: مقاومة بعض العاملين لاعتماد التكنولوجيا بسبب المخاوف من تقليص دورهم التقليدي.
- الأخلاقيات الطبية: الحفاظ على التوازن بين استخدام التكنولوجيا الحديثة والحفاظ على الجوانب الإنسانية في الرعاية الطبية.
- الاعتماد الزائد على الذكاء الاصطناعي: خطر فقدان الخبرة البشرية في اتخاذ القرارات الطبية الحرجة.
يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً غير مسبوقة لتحسين قطاع الرعاية الصحية، إلا أن تحقيق هذه الفرص يتطلب مواجهة التحديات بشكل استباقي. بالاعتماد على السياسات الحكيمة، الاستثمار المدروس، وتعزيز الشراكات، يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي أداة محورية في تعزيز صحة المجتمعات وتحسين جودة حياة الأفراد.
مزايا
وبحسب دراسة، منشورة على منصة researchgate، فإن الذكاء الاصطناعي يعمل على إحداث ثورة في مجال الرعاية الصحية الحديثة وتعزيزه من خلال التقنيات القادرة على التنبؤ والفهم والتعلم والعمل، سواء تم توظيف التقنيات لتحديد العلاقات الجديدة بين الشيفرات الجينية أو للتحكم في الروبوتات المساعدة في الجراحة.
تشير النتائج إلى أن شركات الأدوية استفادت من الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية من خلال تسريع عملية اكتشاف الأدوية وأتمتة تحديد الهدف.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يساعد في القضاء على طرق مراقبة البيانات التي تستغرق وقتاً طويلاً. وتشير النتائج أيضاً إلى أن التجارب السريرية بمساعدة الذكاء الاصطناعي قادرة على التعامل مع كميات هائلة من البيانات وإنتاج نتائج دقيقة للغاية.
وتطور شركات الذكاء الاصطناعي الطبي أنظمة تساعد المرضى على كل المستويات. يتم أيضًا تحليل البيانات الطبية للمرضى من خلال الذكاء السريري، مما يوفر رؤى لمساعدتهم على تحسين نوعية حياتهم.