في خطوة تُعيد رسم ملامح سياسات الرقابة الرقمية، أعلن مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة ميتا، عن تغييرات جوهرية تهدف إلى تقليص الرقابة وتعزيز حرية التعبير على منصات الشركة، بما في ذلك فيسبوك وإنستغرام وثريدز.

تأتي هذه التحولات وسط جدل متزايد حول دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تشكيل الحوار العام، حيث تسعى ميتا لاعتماد نهج جديد قائم على "الملاحظات المجتمعية" التي تُخول المستخدمين تقديم السياق للمنشورات المثيرة للجدل، بدلاً من الاعتماد على مدققي الحقائق التقليديين.

تُبرز هذه الخطوة، التي تزامنت مع  قرب بدء الولاية الجديدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساعي زوكربيرغ لإعادة تموضع شركته كمناصر قوي لحرية التعبير، في مواجهة انتقادات تتعلق بالتحيز السياسي والمعلومات المضللة.

مؤسس ميتا، اعتبر أن أن تلك التغييرات المتعددة على منصاته بما في ذلك فيسبوك وإنستغرام هي محاولة "لتقليل كمية الرقابة بشكل كبير".

أخبار ذات صلة

ميتا تزيل خاصية التحقق من المحتوى في أميركا
زوكربيرغ يعلن تغييرات جديدة على فيسبوك وإنستغرام

بموجب الإجراءات التي تم الإعلان عنها في بيان صادر يوم الثلاثاء، فإنه بدءاً من الولايات المتحدة، سيتم استبدال مدققي الحقائق المستقلين في الولايات المتحدة بنظام "ملاحظات مجتمعية" مماثل للنظام المستخدم على منظمة، منصة التواصل الاجتماعي الخاصة بإيلون ماسك، والتي تعتمد على المستخدمين لإضافة التحذيرات والسياق إلى المنشورات المثيرة للجدل.

وقال مارك زوكربيرغ في بيان مصور مدته خمس دقائق إن فرق تعديل المحتوى سيتم نقلها أيضاً من كاليفورنيا إلى تكساس "حيث يوجد قلق أقل بشأن تحيز فرقنا"، وهو وصفته نينا جانكوفيتش، المسؤولة السابقة في الحكومة الأميركية المكلفة بمكافحة المعلومات المضللة، بأنه "انحناء كامل لترامب".

وقال الرئيس التنفيذي للشركة في بيانه إن مدققي الحقائق "متحيزون سياسيا للغاية"، وهو ادعاء نفته بشدة منظمات التحقق، بحسب ما ذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

 كما أفاد بأن ميتا "ستتخلص من مجموعة من القيود المفروضة على مواضيع مثل الهجرة والجنس والتي لا تتفق مع الخطاب السائد".

 الملياردير البالغ من العمر 40 عاماً أشار إلى أن هذا التحول جاء استجابة للانتخابات الرئاسية الأميركية، التي وصفها بأنها "نقطة تحول ثقافية نحو إعطاء الأولوية للتعبير عن الرأي مرة أخرى". وفي المقطع المصور، قال زوكربيرغ:"لقد وصلنا إلى مرحلة فيها الكثير من الأخطاء والكثير من الرقابة. لقد حان الوقت للعودة إلى جذورنا بشأن حرية التعبير".

التغييرات ستؤثر على فيسبوك وإنستغرام وثريدز، وهي ثلاث من أكبر منصات التواصل الاجتماعي في العالم، والتي يستخدمها أكثر من ثلاث مليارات على مستوى العالم.

أخبار ذات صلة

إنستغرام تختبر "خاصية مهمة" طال انتظارها  
لماذا ينفق قادة الأعمال مبالغ طائلة لـ "تنصيب ترامب"؟

تجربة "إكس".. وخطوة ميتا

من جانبه، يقول استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G & K، الدكتور عاصم جلال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

  • منصات "ميتا" تميل بشكل كبير نحو التوجهات اليسارية.. وهو ما ظهر جلياً خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب الأولى.
  • تعرضت ميتا لاتهامات عديدة بالتحيز الأيديولوجي؛ أبرزها حينما تم حظر حساب ترامب على المنصة.
  • موقع تويتر قبل استحواذ ماسك كان يُحسب على نفس التيار، إلا أن ماسك قام بتغيير سياسات المنصة مشدداً على أهمية الشفافية وإتاحة المجال أمام المستخدمين للتعبير بحرية عن آرائهم.

ويذكر عاصم أن إيلون ماسك اتخذ خطوات جذرية في إكس بإلغاء الرقابة التقليدية التي تعتمد على مختصين مستقلين لتقييم المحتوى، واستبدلها بأسلوب يعتمد على المستخدمين أنفسهم لتقييم الأخبار وتحديد مدى مصداقيتها، واصفاً هذا النهج بأسلوب "التقييم الجماهيري" الشبيه بمنهجية ويكيبيديا، حيث يُترك الحكم على الأخبار لجمهور واسع من المستخدمين.

في المقابل، تعتمد ميتا على آليات أكثر تقليدية تشبه الموسوعات المرجعية مثل "دائرة المعارف البريطانية"، حيث تقوم جهات مختصة بالتحقق من المعلومات وتحديد ما يمكن نشره. لكنه أشار إلى اتهامات وُجهت إلى المحققين المستقلين الذين كانت تستعين بهم ميتا بالانحياز لليسار.

وتعليقاً على الخطوات التي تتخذها ميتا، يشدد عاصم أن التحول نحو مزيد من الشفافية، سواء في ميتا أو إكس، يُعد خطوة إيجابية، لكن لا يمكن تجاهل البعد السياسي لبعض هذه القرارات، مشدداً على أن إكس تحاول تقديم نموذج جديد من الديمقراطية في تقييم الأخبار، حيث يُترك الحكم للأغلبية. لكنه يضيف أن هذه المنهجية ليست خالية من العيوب، إذ قد تؤدي إلى تجاهل وجهات نظر الأقليات، مما يخلق تحدياً فيما يتعلق بالحفاظ على التوازن والعدالة.

ويختتم استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G & K حديثه بالإشارة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت تلعب دوراً محورياً في تشكيل الرأي العام، وأن التوازن بين الشفافية والحيادية يظل تحدياً مستمراً، مؤكداً أن الخطوات الأخيرة رغم الجدل السياسي الذي قد يحيط بها قد تمهد لممارسات أكثر انفتاحاً وديمقراطية في المستقبل.

أخبار ذات صلة

هل يصبح "إنستغرام" الدجاجة التي تبيض ذهبا لـ"ميتا"؟
شركات تكنولوجيا تخطب ود ترامب.. كيف ستكون العلاقة بينهم؟

التحول نحو اليمين!

في سياق الحديث عن الأبعاد السياسي التي تطرق إليها جلال، ذكر تحليل آخر كتبه بليك مونتغمري، بصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن موقع ميتا يتحول نحو اليمين، متبعاً الرياح السياسية السائدة التي تهب في الولايات المتحدة.

  • في صباح يوم الثلاثاء، أوقفت شركة ميتا برنامج التحقق من صحة المعلومات التابع لجهات خارجية على فيسبوك وإنستغرام . وستوصي الشركة أيضاً بمزيد من المحتوى السياسي عبر شبكاتها الاجتماعية.
  • أعلن الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ عن هذه التغييرات في إطار محاولته كسب ود إدارة دونالد ترامب القادمة، بما يوضح إلى أي مدى سيذهب من أجل الفوز بدعم الرئيس المنتخب.
  • رحب ترامب على الفور بالتغييرات. وعندما سُئل عما إذا كان زوكربيرغ يجري مثل هذه التغييرات السريعة رداً على انتقادات ترامب ــ حيث هدد الرئيس المنتخب الرئيس التنفيذي بـ"السجن مدى الحياة" في أغسطس ــ قال ترامب: "ربما نعم.. ربما". وقال ترامب لقناة فوكس نيوز إن ميتا "قطعت شوطا طويلا" وإن "عرضها كان ممتازاً".

وتبرعت شركة ميتا بمبلغ مليون دولار لصندوق تنصيب ترامب، كما فعل عدد كبير من قادة التكنولوجيا. كما تناول الرئيس التنفيذي للشركة العشاء مع ترامب في مار إيه لاغو قبل أسبوعين وأهداه زوجاً من نظارات راي بان من إنتاج شركة ميتا، وهي النظارات المزودة بكاميرات.

أخبار ذات صلة

ميتا تطلق ذكاء اصطناعي جديد لتعزيز الميتافيرس
ما المتوقع من شركات الذكاء الاصطناعي في 2025؟

ميتا وترامب

كانت علاقة زوكربيرغ بترامب متوترة على مر السنين، رصد تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أبرز المحطات فيها.

  • زعم الرئيس المنتخب وغيره من الجمهوريين أن فيسبوك والمواقع الأخرى تفرض الرقابة على الآراء المحافظة. وفي الآونة الأخيرة، وصف ترامب فيسبوك بأنه "عدو الشعب" في مقابلة أجريت معه في مارس مع قناة سي إن بي سي الأميركية.
  • أزالت شركة فيسبوك محتوى حملة "أوقفوا السرقة" في أعقاب أحداث 6 يناير 2021، مشيرة إلى "محاولات مستمرة لتنظيم أحداث ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يمكن أن تؤدي إلى العنف" على منصة التواصل الاجتماعي.
  • كما فرضت شركة ميتا أيضاً تعليقاً لمدة عامين على حسابات ترامب على فيسبوك وإنستغرام بعد وقت قصير من تحديد الشركة أن تصرفات الرئيس السابق في أعقاب أعمال الشغب في 6 يناير في واشنطن العاصمة قد تؤدي إلى المزيد من العنف.
  • في العام 2023، استعاد ترامب إمكانية الوصول إلى حساباته على فيسبوك وإنستغرام، لكنه واجه أيضاً بعض القيود والعقوبات المحتملة إذا انتهك إرشادات مجتمع الشركة.
  • في النهاية، أزالت شركة ميتا القيود المتعلقة بحسابات ترامب في يوليو خلال الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2024.

أخبار ذات صلة

الذكاء الاصطناعي يدفع "ميتا" للطاقة النووية
المهندسون الأشباح.. من هم وما تأثيرهم على شركات التكنولوجيا؟

تحديات

المستشار الأكاديمي بجامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، الدكتور أحمد بانافع، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن شركة ميتا، المالكة لفيسبوك وإنستغرام أعلنت عن تخليها عن استخدام مدققي الحقائق المستقلين، وهو قرار أثار جدلاً واسعًا حول مستقبل مكافحة المعلومات المضللة على منصاتها، يأتي في وقت تواجه فيه شركات التكنولوجيا العملاقة ضغوطًا متزايدة للحد من انتشار الأخبار الكاذبة وتعزيز الشفافية.

ويوضح أن ثمة مجموعة من الأسباب وراء هذه الخطوة، ومنها ما يلي:

  • خفض التكاليف التشغيلية: في ظل التحديات الاقتصادية العالمية تسعى ميتا إلى تقليل النفقات، وقد يكون التخلي عن مدققي الحقائق جزءاً من هذه الاستراتيجية.
  • الاعتماد على الذكاء الاصطناعي: يبدو أن ميتا تعتزم تعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل ورصد المحتوى المضلل.
  • الانتقادات السابقة: تعرضت شركات التكنولوجيا لانتقادات تشير إلى أن المدققين المستقلين قد يفتقرون أحياناً إلى الحيادية أو الكفاءة في تقييم المعلومات.

ويرصد بانافع في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" التداعيات المحتملة، ذلك أن هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مدى تأثيرها على منصات ميتا ومستخدميها، ومن أبرز هذه التداعيات:

  • زيادة انتشار الأخبار المضللة: قد يؤدي غياب المدققين المستقلين إلى تفاقم انتشار الشائعات والمعلومات غير الدقيقة.
  • تراجع الثقة في المنصة: قد يشعر المستخدمون بأن ميتا تضع الربحية فوق مسؤوليتها الاجتماعية، مما يؤثر على سمعتها.
  • ضغوط قانونية وتنظيمية: تواجه ميتا بالفعل تدقيقًا من الحكومات والمنظمات الدولية بشأن دورها في مكافحة التضليل الإعلامي، وقد يؤدي هذا القرار إلى تصعيد هذه الضغوط.

ولتجنب التداعيات السلبية، قد تلجأ ميتا إلى استراتيجيات بديلة لضمان مكافحة التضليل، منها:

  • تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي: يمكن أن تساعد الخوارزميات المتقدمة في رصد المحتوى المضلل بسرعة، ولكنها تحتاج إلى تحسين مستمر لتجنب الأخطاء.
  • إشراك المجتمع: تطوير أدوات تتيح للمستخدمين الإبلاغ عن الأخبار المشكوك فيها قد يكون بديلاً فعالاً.
  • التعاون مع المؤسسات الإعلامية: يمكن لميتا أن تتعاون مع جهات إعلامية موثوقة لتقديم تصحيحات للأخبار الزائفة.

ويعتبر أن قرار ميتا بالتخلي عن مدققي الحقائق المستقلين خطوة محفوفة بالمخاطر، لكنها قد تفتح الباب أمام تحسينات تقنية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية الاجتماعية، خاصة في ظل التداعيات المحتملة على المستخدمين والشركات.

قرار ميتا قد يكون خطوة استراتيجية لمواكبة التحولات التقنية وخفض التكاليف، لكنه يحمل في طياته تحديات كبيرة، خاصة في زمن يتزايد فيه الاعتماد على المنصات الرقمية كمصادر رئيسية للمعلومات. الوقت وحده كفيل بالكشف عن نجاح هذه الخطوة أو فشلها، وفق  بانافع.