تأتي الانتخابات البريطانية الحالية وسط توقعات واسعة بفوز  كاسح لحزب العمال بعد 14 عاماً من حكم حزب المحافظين.

رئيس الوزراء البريطاني الحالي، ريشي سوناك، لم يتمكن من إقناع الناخبين بأدائه، مع تزايد الإخفاقات التي وقع فيها خلال فترة قيادته القصيرة لحزب المحافظين، مما أدى إلى تراجع شعبيته وتزايد الضغوط على الحكومة.

أحد أبرز الأخطاء التي ارتكبها سوناك كانت مرتبطة بإدارة الملف الاقتصادي، في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد البريطاني تدهوراً نسبياً ملحوظاً، مع ارتفاع تكلفة المعيشة ومعاناة المواطنين البريطانيين على أكثر من صعيد.

من بين أبرز الملفات التي كانت شاهدة على إخفاقات سوناك، ملف الهجرة، بعد أن وعد خلال حملته الانتخابية بتقديم حلول جذرية لهذا الملف، لكنه لم يحقق الكثير في هذا الصدد. وبدلًا من ذلك، شهدت بريطانيا تزايدًا في أعداد المهاجرين، وتفاقمت المشكلات المتعلقة بالاندماج واللاجئين.

لم يكن الملف الصحي أفضل حالاً، فقد تزايدت المشاكل في نظام الصحة الوطني مع نقص التمويل والموارد، وارتفاع أوقات الانتظار للحصول على الرعاية الطبية.

عانى المواطن البريطاني من ضغوطات واسعة نتيجة ارتفاع تكلفة المعيشة كما أن زيادة أسعار الوقود والغذاء والإسكان أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للأفراد والأسر، ولم تتمكن الحكومة من تقديم حلول فعالة للتخفيف من هذه الضغوطات. علاوة على ذلك، تراجعت الثقة في الحكومة بسبب عدم قدرتها على التعامل مع الأزمات بفعالية.

أخبار ذات صلة

الانتخابات البريطانية.. من هم أبرز المتنافسين وماهي وعودهم؟
اقتصاد بريطانيا يخرج من الركود مسجلا نموا أعلى من التوقعات
بريطانيا.. توقعات بـ"هزيمة ساحقة غير مسبوقة" لحزب المحافظين
بريطانيا ستفقد نحو 9500 مليونير هذا العام.. ما السبب؟

إرث صعب

من جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:

  • الأخطاء الحادثة في عهد سوناك لا تتعلق برئيس الوزراء نفسه، ولكنها تتعلق بحزب المحافظين.
  • سوناك تولى حزب المحافظين في شهر أكتوبر من العام 2022، بالتالي لم يكمل عامين حتى الآن، ولا يتحمل أخطاء شخصية، ولكنه ورث فشلاً ذريعاً من رؤساء الوزراء الذين ينتمون لحزب المحافظين منذ 2010 وحتى الآن.
  • حزب المحافظين حكم 14 سنة، منذ فوزه برئاسة ديفيد كاميرون، الذي في عهده تم التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي في العام 2016، ومن عام 2016 إلى 2020 كانت هناك مفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حول أساليب الخروج، ومنذ التصويت لصالح الخروج حتى اليوم خسرت بريطانيا خسائر فادحة فيما يتعلق بالاقتصاد وصورتها الدولية ومركز تأثيرها في الاتحاد الأوروبي.

ويضيف: فشل كل رؤساء الوزراء بداية من تيريزا ماي وجونسون وليز تراس في تحقيق أي منجز اقتصادي، مع فشل حزب المحافظين -بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي- في التوصل لاتفاقية التجارة الحرة بـ 100 مليار دولار مع الولايات المتحدة الأميركية، بجانب فشل حكومات المحافظين في تعميق التجارة وزيادة التجارة البينية مع دول الكومنولث، وأيضاً لم تنجح بريطانيا في زيادة معدلات التجارة كما كانت تتحدث من قبل مع أطراف مختلفة من بينها الهند والصين.

ولذلك بدأ المواطن البريطاني في الشعور بالمعاناة بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة من حكم حزب المحافظين، الذي ينتمي إليه سوناك.

الأمر الثاني، في تقدير سمير، الذي يؤدي إلى خسارة تاريخية لحزب المحافظين، هو ضعف القوة الشرائية لدى المواطن البريطاني، وعدم قدرته على الحصول على الخدمات العامة، مثل الخدمة الصحية، ذلك أن بريطانيا الآن لديها أطول فترة زمنية لقوائم الانتظار لإجراء العمليات ومقابلة الأطباء، وبالتالي هذا أمر مشين اقتصادياً بالنسبة للحكومة البريطانية، التي لا توفر وقتاً أو مواعيد للمرضى في المستشفيات والعيادات الخارجية.

قطاع التعليم يعاني أيضاً، إذ يحتاج إلى أكثر من 5 آلاف مدرس جديد، بينما لا تستطيع الحكومة البريطانية أن توفر لهم الأموال لتعيينهم.

ويشير خبير العلاقات الدولية، إلى تأثير حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بالبلاد، فمنذ 2022 كانت هناك 3 حكومات.

أخبار ذات صلة

بالأرقام.. وضع الاقتصاد البريطاني في عهد "المحافظين"
هل يشفي حزب العمال جراح بريطانيا من البريكسيت؟

بيانات

واستعرض تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" بعضاً من الإحصاءات والبيانات التي تعكس جانباً من الوضع في بريطانيا بعد 14 عاماً من حزب المحافظين:

  • الدين الحكومي ارتفع 40 بالمئة
  • الضرائب ارتفعت 12 بالمئة
  • الميزانية العامة للحكومات تراجعت 27 بالمئة
  • البطالة تراجعت بنسبة 44 بالمئة
  • نمو الإنتاجية تراجع 60 بالمئة
  • تراكم اللجوء زاد 1300 بالمئة
  • الهجرة الصافية ارتفعت 170 بالمئة
  • بنوك الطعام ارتفعت بنسبة 5000 بالمئة
  • نسبة التشرد ارتفعت 120 بالمئة
  • استخدام الطاقة من الفحم الحجري تراجع بنسبة 60 بالمئة

بصمات إيجابية أخرى

لكن خبير العلاقات الدولية يوضح أنه رغم كل ذلك، سوناك استطاع تخفيض معدل التضخم، وضبط المالية العامة الجديدة، ولكن حياة البريطانيين لم تتغير، لذا الناخب البريطاني سيعاقب المحافظين، وسيحدث تضاؤل انتخابي للمحافظين، إذ سيتعرض لأكبر خسارة منذ الحرب العالمية الثانية، وقد لا يكون رقم 2، فمن الممكن أن يأتي في المرتبة الثالثة بعد الحزب الوطني الاسكتلندي أو حزب الإصلاح الجديد.

ظروف صعبة

أستاذ العلوم السياسية، الدكتور طارق فهمي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الانتخابات العامة في بريطانيا تجرى في ظل ظروف صعبة للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء ريشي سوناك، فهو يحاول حشد الأصوات في اللحظات الأخيرة، لكن كل المؤشرات تقول إن حزب العمال هو الصاعد بصورة كبيرة.

"وبالتالي من المتوقع أن ينتهي حكم المحافظين، الذين حكموا لمدة 14 سنة، فهم لم يقدموا الكثير من الوعود التي منحوها للشعب البريطاني، والمؤشرات تقول إن حزب المحافظين سيتلقى هزيمة كبيرة، وفي التقدير العام حاول حزب المحافظين وسوناك رفع شعبيتهم، لكن أعتقد بأن الأمر مختلف"، بحسب فهمي.

ويضيف: رغم وجود رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون ومحاولة الاستعانة به وأن يكون له دور، وإعادة بعض الوجوه للساحة السياسية، لكن الأمور تمضي لحزب العمال، الذي يقدم برنامجاً، ورؤية مختلفة تماماً.

ويعتقد بأن ثمة عوامل أساسية دفعت بفشل سوناك، من بينها:

  • لم يقنع الرأي العام والجمهور البريطاني بكثير من الملفات، منها التعامل مع تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
  • التعامل مع الملف الاقتصادي والأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.
  • الفشل في التعامل مع الواقع الداخلي.
  • سوناك فشل في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، وملفات مهمة مثل الصحة والهجرة وغير ذلك.
  • هذا كله أدى إلى انخفاض شعبية سوناك، الذي حاول اتباع لعبة انتخابية منها العمل على تخفيض الضرائب، وتقديم بعض التعديلات في برنامجه، ولكن لم يلق ذلك قبولاً من الشعب البريطاني، وهو الشعب الذي اختبره بصورة جيدة، والحديث الآن في استطلاعات الرأي يشير إلى أن كل 1 من 5 ناخبين صوتوا لحزب العمال.

أدى ذلك إلى توتر واضطراب في إدارة بريطانيا، والملفات الاقتصادية أثرت بشكل كبير جداً، خصوصاً أن نمط حياة المواطن البريطاني مختلف، وسوناك لم يقدم حلولا كبيرة، ولم يعالج الوضع في صورة بها واقعية.

  • الأخطاء العديدة التي ارتكبها ريشي سوناك خلال فترة قيادته القصيرة لحزب المحافظين أثرت بشكل كبير على شعبيته وثقة الناخبين في الحكومة.
  • تزايد الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، وفشل الحكومة في معالجة الملفات الحيوية بشكل فعال، جعل الناخبين يتجهون نحو حزب العمال بحثاً عن التغيير والإصلاح.
  • الانتخابات الحالية قد تكون نقطة تحول في السياسة البريطانية، مع توقعات بفوز حزب العمال وتشكيل حكومة جديدة قادرة على تحقيق التطلعات وتقديم الحلول للمشاكل التي تواجه البلاد.

أخطاء سوناك

الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:

  • أهم أخطاء ريشي سوناك تمثلت في الملف الاقتصادي، الذي سبب تأزماً في الداخل بصورة كبيرة جداً.
  • تفاقمت أزمة تكلفة المعيشة، في خط متوازٍ مع معدلات التضخم، رغم أنها أزمة دولية، ولكن في نهاية المطاف عانى منها البريطانيون بشكل واسع.
  • تضاف إلى تلك العوامل الاقتصادية، أزمة الملف الصحي، بعد أن تراجعت معدلات الإنفاق على الملف الصحي تراجعت.
  • كذلك ملف الهجرة، الذي كان من بين أهم وعود سوناك حينما جاء للحكم.

وشهدت بريطانيا ارتفاعاً في معدلات الهجرة منذ بداية العام الماضي بما يزيد عن 35 بالمئة، ذلك مقارنة بالعام الماضي.

ويضيف الديهي: "كل هذه الأمور نقاط ضعف أدت إلى إسقاط حكومة سوناك وحزب المحافظين"، لا سيما مع الفشل في إقناع الناخب البريطاني للتصويت للحزب رغم الجهود المبذولة للترويج لسياسات داعمة.

انتخابات بريطانيا.. توقعات بتفوق حزب العمال على المحافظين