لطالما اعتبر قادة إسرائيل دولتهم "واحة الديمقراطية" في الشرق الأوسط، على اعتبار أن بقية دول المنطقة "استبدادية"، لكنهم لم يتحملوا المنظمات الحقوقية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان بالأراضي المحتلة، وشنوا محاولات متتالية للتضيق عليها.
ووافقت الحكومة الإسرائيلية، الأحد، على مشروع قانون يلزم المنظمات غير الحكومية بتقديم تفاصيل بشأن كافة التبرعات القادمة من الخارج، في حال كان أكثر من نصف التمويل يأتي من حكومات أجنبية، فضلا عن إلزام موظفي المنظمات بارتداء شارات تعريف خاصة أثناء عملهم، بحسب وكالة "فرانس برس".
وتعني موافقة اللجنة الوزارية على مشروع القانون إحالته إلى البرلمان، بحيث يتعين على النواب الموافقة عليه في ثلاث قراءات كي يصبح قانونا.
ويرى حقوقيون ومحللون أن خطوة الحكومة الإسرائيلية تأتي استمرارا لمحاولات إسكات أصوات المنظمات الحقوقية، إذ أن القانون الجديد يتجاهل تماما الجمعيات اليمينية المتطرفة التي تتلقى تمويلا مماثلا من الخارج.
ويوجد في إسرائيل نحو 30 ألف منظمة أهلية، ينشط نصفها تقريبا في قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويرصد انتهاكات جيش الاحتلال ومستوطنيه، على ما أوردت وكالة "رويترز".
ومن هذه المنظمات: "حركة السلام الآن"، و"بيتسيلم"، و"مركز عدالة"،و"كسر الصمت"، و"يوجد قانون"، وتتلقى هذه المنظمات أموالا من الاتحاد الأوروبي، أو من حكومات أوروبية بينها الدنمارك والسويد وبلجيكا والنرويج.
وقالت أيليت شاكيد، وزيرة العدل الإسرائيلية التي تنتمي لليمين المتطرف، إنها مصممة على التضييق على من يتلقون أموالا أجنبية ثم ينتقدون إسرائيل. واتهمت بعض الجمعيات غير الحكومية بأنها "تقوض شرعية وجود إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية".
وتسعى شاكيد إلى إقرار قانون آخر يفرض ضريبة 45% على التبرعات القادمة من الخارج لهذه المنظمات.
جو عدائي
وقالت سيريت ميخائيلي، المتحدثة الرسمية باسم منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية إن القانون الجديد يضيق الخناق على المنظمات الحقوقية التي تنتقد الاحتلال تحت شعار الشفافية.
واعتبرت، في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن ذلك يأتي ضمن حملة تستهدف عمل المنظمات الحقوقية.
وحول الإجراءات التي ستتخذها منظمة "بيتسيلم"، قالت ميخائيلي:" إن القانون لم يقر رسميا حتى الآن، لكنه سيخلق جوا عدائيا في إسرائيل ضد عمل المنظمات الحقوقية".
قلق مستمر
ويقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية، برهوم جرايسة، إن المنظمات الحقوقية الإسرائيلية باتت منذ عام 2007 مستهدفة من قبل المؤسسة الحاكمة في الدولة العبرية، على خلفية نشاطاتها في الأراضي المحتلة والتقارير التي تعدها عن انتهاكات الاحتلال.
وأضاف جرايسة لـ"سكاي نيوز عربية" أنه على الرغم من محدودية أثر هذه التقارير، إلا أنها تسبب قلقا للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
وتابع: "منذ عام 2007 استمرت سلسلة المحاولات لضرب المنظمات الحقوقية، وشملت هذه المحاولات منع التمويل عنها، أو فرض ضرائب على التمويل، أو اشتراط الاعتراف بيهودية الدولة".
ورأى أن خطورة هذا القانون- في حال إقراره- تكمن في إجبار العاملين في هذه المنظمات على وضع إشارات تعريفية أثناء علمهم في جمع البيانات بإسرائيل أو الأراضي المحتلة التي تنشط فيها قوات الاحتلال والمستوطنين، الأمر الذي قد يعرضهم لاعتداءات، وهو على ما يبدو الهدف من القانون، أي التضييق على عمل هؤلاء الحقوقيين.
ويوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن القانون صمم على مقاس اليمين، ويقول:" ثمة فقرة بالقانون تتعلق بالمنظمات التي تتلقى أموالا من دول أو هيئات خارجية، في حين أن منظمات اليمين المتطرفة تتلقى أموالا من أفراد وغالبيتها تتم عبر الوكالة اليهودية".