تمكن العرب في إيران من الحفاظ على الحد الأدنى من هويتهم العربية رغم كافة المحاولات المستمرة منذ مطلع القرن الماضي من قبل أنظمة الحكم المتعاقبة لطمس عروبتهم، إلا أنهم لا يزالون يناضلون لاستعادة "دولة عربستان".
ويصر العرب الذين يشكلون، حسب مراكز الدراسات الأحوازية 10 بالمائة من مجمل سكان إيران البالغ عددهم 75 مليون نسمة، ويعتنقون المذهبين السني والشيعي، على الاستقلال واستعادة الدولة التي أفلت عام 1925 إثر الغزو الفارسي.
ووفقا للناشطين العرب في إيران، فإن الشاه رضا بهلوي عمد عام 1925 إلى احتلال ما كان يعرف بإمارة المحمرة أو عربستان، حسب ما كانت تعرف في الوثائق الدولية، والتي كانت تتمتع بالحماية البريطانية وترتبط معها بمعاهدات.
إلا أن المتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية عقب الحرب العالمية الأولى دفعت بريطانيا إلى التملص من هذه المعاهدات، وبالتالي السماح للشاه الجديد بضم أراضي عربستان واعتقال أميرها الشيخ خزعل بن مرداو الكعبي.
ولاحقا قتلت السلطات الفارسية الأمير العربي، وأقدمت على تقسيم الإمارة، التي يطلق عليها الناشطون العرب حاليا الأحواز، إلى ثلاث محافظات تقع في جنوب إيران وعلى الساحل الشرقي للخليج العربي.
إمارة عربية سابقة
وبات التقسيم الإداري للمنطقة التي كانت تشكل إمارة عربية، يشمل محافظة خوزستان، ومركزها مدينة تحمل أيضا اسم الأحواز (الأهواز وفق النطق الفارسي)، فضلا عن محافظتي هرمزكان وبوشهر.
ويتركز وجود العرب في إيران في هذه المحافظات الثلاثة، بالإضافة إلى محافظة خراسان في شمال شرق البلاد، التي يقطنها العرب الذين هاجروا من الجزيرة العربية بعد الفتوحات الإسلامية للمنطقة، وفق مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات.
ويشير مدير المركز، حسن راضي، المقيم في لندن، إلى أن رحلة معاناة العرب بدأت منذ تاريخ سقوط "عربستان"، حيث هدم رضا بهلوي المعالم العمرانية العربية والمدارس، وقسم المنطقة وألحق بعض أراضيها بمحافظات إيلام وفارس وأصفهان.
ورغم أن بهلوي والأنظمة التي تعاقبت بعده على الحكم حاولت سلب عرب الأحواز وخرسان هويتهم من خلال سياسة القمع، ومنع تعلم اللغة العربية وحظر ارتداء الزي العربي التقليدي، إلا أنهم لا يزالون يتمسكون بلغة وثقافة الأجداد.
وسياسة الاضطهاد تشمل العرب السنة والشيعة الذين ينتشرون على وجه الخصوص في خراسان، حسب راضي الذي يؤكد أن التشيع لم ينجح بحماية هؤلاء من ممارسات الأنظمة المتعاقبة، ولاسيما النظام الحالي الذي أثبت ازدواجية في هذا الملف.
فمدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات يؤكد أن النظام الإسلامي الذي يدعي حماية أقليات مذهبية في المنطقة ويحمل لواء الدفاع عن المذهب الجعفري، استمر في سلب الشيعة العرب في إيران حقوقهم، مما دفع بعضهم إلى اعتناق المذهب السني.
انتفاضات عربية
ومسيرة العرب في إيران تحفل بأكثر من 16 انتفاضة، لعل أبرزها ثورة "جنود الأمير خزعل" عام 1925 التي انتهت بقتل المئات من القيادات، والحراك الذي انطلق عام 2005 بعد تسريب وثيقة من مكتب الرئيس الإيراني، محمد خاتمي.
وتنص الوثيقة، طبقا لراضي، على تهجير نصف سكان المناطق العربية واستبدالهم بالفرس بغية تغيير ديمغرافية المنطقة، في خطوة تؤكد أن معاناة العرب استمرت في ظل النظام الإيراني الجديد الذي استلم زمام الحكم بعد ثورة الخميني عام 1979.
واستمر النظام في سياسة تهجير العرب من الأحواز، أي محافظات خوزستان وهرمزكان وبوشهر، عبر سلب الفلاحين أراضيهم وحرمان النخب من التوظيف لدفعهم إلى الانتقال إلى عمق الأراضي الإيرانية والتخلي عن مناطقهم لصالح الفرس.
ورغم أن معظم نفط وغاز إيران، وفق المركز الأحوازي للإعلام والدراسات، مصدره المحافظات الثلاث، إلا أن السكان العرب يعانون من فقر شديد حيث يخصص لهم النظام حصة من عوائد الثورة الطبيعية ويتعمد تجاهل تنمية مناطقهم.
تمييز عنصري و"ترانسفير"
وبالإضافة إلى حرمان مناطقهم من التنمية وسياسية التمييز العنصري و"الترانسفير"، تحظر السلطات الإيرانية على الأحزاب والتيارات العمل وفق الأطر القانونية، وتمنع العرب من المشاركة في العملية السياسية إلا لمن ثبت ولاؤه للنظام.
بيد أن هذه الممارسات لم تحل دون بروز عدة تيارات تحمل لواء الدفاع عن حقوق العرب في إيران واستعادة حرية المنطقة عبر ما يعلنون أنه الاستقلال عن "الاحتلال الفارسي"، وفق لما يؤكد مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات.
ومن أبرز هذه التيارات، الجبهة العربية لتحرير الأحواز التي تأسست 1980 وحركة التحرر الوطني الأحوازي التي انطلقت بعدها بـ6 أعوام، بالإضافة إلى الجبهة الديمقراطية الشعبية وحركة النضال العربي لتحرير الأحواز.
وينشط بعض قادة هذه التيارات والمنظمات في أراضي العرب في إيران بشكل سري، في حين دفعت سياسة "القمع" البعض الآخر إلى السفر خارج البلاد، حيث تسعى إلى تسليط الضوء على قضية لم تدرج على جدول أعمال المجتمع الدولي حتى الوقت الراهن.