الأديب المصري محمد المنسي قنديل يجوب الزمان بحثا عن اجابة للسؤال الذي يؤرقه منذ هزيمة يونيو 1967: هل نحن شعب محكوم عليه بالهزيمة والانكسار؟ ويجيب على نفسه بأن الوعي طال أخيرا شعوب دول الربيع العربي، خاصة مصر، لكنه لم يصل بعد إلى الحكام.
يقول قنديل في حديث لسكاي نيوز عربية خلال حضوره فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب أن أحب رواياته إلى قلبه هي روايته الأولى "انكسار الروح"، "لأن الرواية الأولى تأخذ جزءا كبيرا من السيرة الذاتية والنشأة الروحية للكاتب".
"كتبتها وأنا في صدر الشباب وكان عمري وقتها 36 عاما، ثم أصبت بعدها بفترة صمت طويلة. جزء من هذا الصمت بسبب ظروف نفسية أليمة والجزء الأخر بسبب السد النفسي الذي يصيب الكتاب، كنت أقول لنفسي روايتي الأولى من حياتي فماذا أضع في الثانية".
يصف النقاد "انكسار الروح" بأنها قصيدة حب طويلة وشجية عن الجيل الذي عاش مع ثورة يوليو محملا بالانتصارات عاشقا للحب والحياة، وانتهي به الأمر منكسر الروح وضائعا بعد هزيمة حرب يونيو 1967.
"كنا شباب وكانت أحلامنا كبيرة جدا وكانت الهزيمة قاسية جدا، فبدأت أعود إلى التاريخ لأجد إجابات على السؤال الملح: هل نحن شعب محكوم عليه بالهزيمة؟"، كما يروي قنديل لسكاي نيوز عربية.
ويستطرد "إنني مهتم جدا بالتاريخ، وظل هذا الهم التاريخي ملازما لي. أبدأ رحلة في الزمان وفي المكان ثم يأخذني الزمان لأجد جوابا".
وعند سؤاله إذا ما كان وجد الرد على سؤاله يقول "الجواب؟ نحن في مرحلة فوضى لا يوجد شيء محدد فيها، مرحلة سيولة سياسية. جاءت مرحلة يقظة أثناء ثورة 25 يناير لكنها لم تستمر بالقدر الكافي".
لكنه يحتفظ بتفاؤله لأن في رأيه "الشيء الإيجابي هو أننا بدأنا نفكر ونعترض وهذا لم يكن موجودا من قبل وبدأ يتكون الأن نوع جديد من الناس ومن الفكر".
"الثورة لم تصل إلى الحكام ولكنها وصلت إلى الإنسان العادي ولم نعد نقبل ما كنا نقبله في السابق وأصبحت لدينا القدرة على الرفض"، حسب الروائي.
قنديل ولد في مدينة المحلة الكبرى بمصر عام 1949، والروائي المهتم بالتاريخ درس الطب وتخرج من كلية طب المنصورة عام 1975.
ويعود إلى الحديث عن حبه الأول قائلا "انكسار الروح تمثل لي محور نفسي وفني هام، كتبت بعدها روايات كثيرة ولكني أرى أنني دائما أقتبس منها".
لم يؤلف قنديل رواية بعدها سوى عام 2005 وكانت "قمر على سمرقند" ثم "يوم غائم في البر الغربي" 2009 وأخيرا "أنا عشقت" عام 2012.
ويقول "يمكنني أن أقسم مؤلفاتي إلى ثلاثة أجزاء: الرواية والقصة القصيرة، مؤلفات للأطفال وعددها لا يحصى خاصة ما ظهر في المجلات وأخيرا كتب عن التراث ولي فيها 3 كتب".
"يوم غائم في البر الغربي كتبتها عن فترة بداية القرن 19، وهي فترة حساسة جدا في تاريخ مصر. كان المصريون قبلها مجرد أرقام، أرقام تموت في حفر قناة السويس، في الأوبئة والفيضانات وفي حروب أوروبية ليس لهم شأن بها"، كما يؤكد الكاتب.
ثم يضيف "في هذه الفترة أصبحوا يشعرون أخيرا أنهم بشر وأن لهم وجوها في المرآة وأنهم ليسوا مجرد أرقام عابرة ولكن لهم كيانات. ولم يكن غريبا أن يظهر زعيم مثل مصطفى كامل ليقول جملته "لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا". هي جملة عاطفية جدا ولكنها تعبر عن الحالة وقتها".
"عندما كتبت الرواية كنا في أواخر عهد حسني مبارك، وكنا نعود للقهقرة وإلى كوننا مجرد أرقام. كنا نموت بالآلاف في العبارات وحوادث القطار وكانت مصر فجأة قد فقدت هويتها وذاتها. واستتبع ذلك موجة من الحرائق وكأننا نتخلص من التراث والهوية".
يرفض قنديل ما شعر به قراءه من أن عائشة، الشخصية الرئيسية التي ألهمت المثال المصري الأشهر محمود مختار قسمات وجه تمثاله "نهضة مصر" في رواية يوم غائم، هي رمز لمصر.
" لا أحب أن أقول أن شخصياتي رمزية، كل أملي أن أخلق شخصية من لحم ودم يتعايش معها القارئ، فالكاتب يريد أن يشاركه المتلقي نفس تجربته، هذا هو السعي الأساسي للكاتب وليس أن يتعالى عليه".
وعن لغته القوية الجميلة يقول "حتي في المستوى اللغوي، فأنا أحاول ألا أضع حاجزا بيني وبين القارئ، ولكنني بالطبع ملتزم بالتركيبة الصحيحة للغة".
قنديل الساعي إلى معرفة حقيقة الواقع من التاريخ لديه مشاريع لتدوين تاريخ مصر الحالي رغم "الفوضى".
"أحاول الأن كتابة تاريخ ثورة 25 يناير 2011 قبل أن تشوهها الكتب المدرسية، فالجزء الأكبر من تاريخنا مغلوط لأن الحكام عندنا من أشد حكام العالم تسلطا فكانوا ولا زالوا يعيدون تشكيل التاريخ حسب أهوائهم".