بعد غزو واحتلال العراق عام 2003 اكتمل تقريبا تدمير حضارة وادي الرافدين حين تعرض ما يقارب على 15 ألف موقع أثري للسرقة والنهب والتدمير، بالإضافة إلى تعرض المتحف العراقي الوطني في بغداد إلى أكبر عملية سرقة آثار في التاريخ.
في "أور" المدينة السومرية بتل المقير جنوب العراق، التي ولد بها الخليل إبراهيم أبو الأنبياء عام 2000ق.م.، يوجد معبد "الزقورة" الخاص بآلهة القمر كما جاء في الأساطير (الميثولوجيا) السومرية.
كانت بالمنطقة 16 مقبرة ملكية شيدت من الطوب اللبن، جميعها تحولت إلى ثكنة عسكرية لتجوال الدبابات والمدرعات بالقرب من الزقورة، مما جعل منها هدفا للقصف، والتدمير الذي لحق متحف الناصرية، وهو من أهم الصروح الحضارية للمدينة.
ثكنة عسكرية
وثقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في تقرير يقيم الأضرار في موقع بابل الأثري (أحد عجائب الدنيا السبع)، استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات التحالف من عام 2003 وحتى عام 2004، وهو ما يمثل تجاوزات اعتبرها تقرير المتحف البريطاني "أشبه بإنشاء معسكر يحيط بالهرم الأكبر في مصر أو بموقع ستونهينغ في بريطانيا العظمى".
وجاء في التقرير أن أضرارا كبيرة لحقت بالمدينة الأثرية بسبب أعمال الحفر والقطع والقشط والتسوية، كما أن أبنية رئيسية تعرضت لأضرار "تشمل بوابة عشتار وشارع الموكب". الشارع الذي سار به ملوك بابل وشعبها وكهنتها، سارت به أيضا الدبابات الأميركية التي دمرت أرضيته وهشمت القطع الأثرية على جانبيه.
وتتمثل المشكلات المطروحة بالتقرير في الإهمال وعدم توافر وسائل للصيانة. و"تظل الأبنية التي تم ترميمها في بابل في حالة سيئة، وخاصة معبد ننماخ ومعبد نابوشخاري ومعبد عشتار والبيوت البابلية والقصر الجنوبي للملك نبوخذ نصر، ومن الضروري بمكان إيلاء اهتمام لهذه الأبنية بصورة عاجلة".
علما بأن المواقع الأثرية أماكن مقدسة في العالم تحظى بالاحترام، والحفاظ عليها أمر إنساني تقره قوانين الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو التي تمنع أن يكون بالقرب من الموقع الأثري أي ثكنة عسكرية، ويمنع أيضا ولمسافة بعيدة دخول أي سيارة صغيرة لحدود الموقع الأثري، أما أجواء المدن الأثرية فهي محرمه أيضا وهناك قوانين دولية لمستوى الطيران والمرور في أجوائها.
أكبر سرقة آثار في التاريخ
أغلق المتحف العراقي سنة 2003 قبيل حرب الغزو، ووفقا للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية كان من المفترض أن تقوم سلطات الاحتلال الأميركي/البريطاني بحماية الآثار والمتاحف، لكنها لم تفعل ما مكن اللصوص من نهب وتدمير الكثير من محتويات المتحف العراقي، وقد بلغت حصيلة السرقة 11 ألف قطعة أثرية الكثير منها نادر جدا.
كانت في المتحف ما يقارب 220 ألف قطعة أثرية، سرق منها 15 ألفا ودمر ما صعب حمله، ولم يعد منها سوى 4000 قطعة فقط وما تبقى مجهول المصير حتى اللحظة.
يذكر أن تهريب الآثار العراقية سبق الغزو، فخلال سنوات الحصار كانت آثار العراق النادرة تباع في أنحاء أوروبا.
جهود الاستعادة
وطالبت الحكومة العراقية في مناسبات عدة المنظمات المدنية والدولية بإعادة الآثار العراقية المسروقة عند التعرف عليها في أي مكان في العالم، إذ بادرت العديد من الدول بإعادة القطع الأثرية المسروقة من العراق.
وبحسب أحد المسؤولين في وزارة السياحة العراقية فإن سوريا كانت من أول تلك الدول، إذ أعادت 701 قطعة في أبريل 2008، تلتها العديد من الدول العربية والأوربية، مضيفاً أن هذا التعاون ساهم في عودة الآلاف من القطع المفقودة، كان آخرها في نهاية 2010، بعد أن تمت استعادة 1133 قطعة أثرية عن طريق الولايات المتحدة الأميركية وعلى مرحلتين، ضمت الأولى 633 قطعة، والثانية 500 قطعة.
وكانت هناك جهود شعبية بذلها مواطنون عراقيون عن طريق شراء العديد من الآثار المسروقة، وإعادتها للمتحف العراقي.
لكن ملف استعادة الآثار يبقى شائكا، إذ أن من ضمن المسروقات كانت هناك سجلات توثق مواصفات القطع وتاريخها وأسمائها، وبفقدانها تضيع إمكانية حصر ومعرفة ماهيتها، فيصبح من الصعب المطالبة بها كاملة.