تأتي مشاركة رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي في مهمة "كرو 6" (Crew 6) التي انطلقت الخميس، تكليلاً لجهود دولة الإمارات العربية المتحدة في الاهتمام بالاستثمار في مجال الفضاء.
وتعدّ مشاركة النيادي في الرحلة المتجهة إلى محطة الفضاء الدولية، وتضم 4 أفراد، المهمة الفضائية الأطول في تاريخ العرب، بعد خمس سنوات من التدريب والتأهيل المتواصل لرائد الفضاء الإماراتي، وهي الجهود التي لا تنفصل بطبيعة الحال عمّا تقدمه الإمارات في هذا المنحى.
ريادة دولية
وضعت رحلة النيادي الأخيرة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة رقم (11) عالمياً، ضمن الدول التي ترسل رواد فضاء إلى محطة الفضاء الدولية بمهمات طويلة الأمد، فكيف تحقق هذا الإنجاز؟
- وضعت الإمارات اقتصاد الفضاء ضمن أهم أولوياتها للخمسين عاما المقبلة، مع بلوغ إجمالي الاستثمار في المشاريع الفضائية للدولة أكثر من 22 مليار درهم
- تصاعد حجم الإنفاق التجاري على اقتصاد الفضاء في الإمارات إلى 10.9 مليار درهم خلال الفترة من 2015 إلى 2020
- زادت الاتفاقيات التعاقدية للخدمات والتطبيقات الفضائية بنسبة 40 بالمئة خلال 2020، وفق وكالة الإمارات للفضاء.
- أطلقت الإمارات خلال العام الماضي "صندوق الفضاء الوطني" برأسمال 3 مليارات درهم والذي يعمل على توفير الموارد المالية وحوكمة إدارتها
- طوّرت وكالة الإمارات للفضاء برنامج "مناطق الفضاء الاقتصادية" لدعم الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة وتحفيز اقتصاد الفضاء الوطني
الأستاذ الدكتور إلياس فراناني، مدير قسم علوم الفضاء، بأكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، يشرح من جانبه في حديث خاص لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، جهود الإمارات في مجال الاستثمار الفضائي.
يقول فرناني: "لقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات باستثمارات هامة في المجال الفضائي، تتمثل: في برنامج رواد الفضاء وبرنامج مسبار الأمل المريخي والروفر راشد القمري، فكل هذه الاستثمارات ستبني قاعدة من المهندسين والعلماء مؤهلة لدراسة الفضاء وبناء البرامج القادمة لغزو القمر والمريخ".
ويضيف: "على سبيل المثال قامت جامعة الشارقة مع مشروعها الشارقة-سات-1 بتأسيس مختبر الأقمار الصناعية المكعبة في أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفضاء والفلك، من خلال توفير الأدوات اللازمة لتطوير المزيد من المهمات الفضائية المستقبلية".
يتابع: "خلال مدة العمل على المشروع تم تزويد المختبر بالمرافق اللازمة لتصميم وتشغيل القمر الاصطناعي، ومن هذه المرافق محطة العمل عالية الأداء المزودة بالبرامج المطلوبة لتصميم ومحاكاة وتحليل المهمة في بيئة الفضاء، والغرفة النظيفة الحاصلة على شهادة ISO6 والمخصصة لتركيب أنظمة القمر الصناعي في بيئة خالية من الملوثات، بالإضافة إلى المحطة الأرضية والتي تعمل بترددات مختلفة كتردد VHF/UHF واللازمة للتواصل مع القمر الاصطناعي عند وصوله إلى مداره في الفضاء.
ويلفت مدير قسم علوم الفضاء إلى أنّ المشروع أسهم في تدريب مهندسي المختبر والطلاب المشاركين على كيفية استخدام البرامج وتشغيل المحطة الأرضية. فضلاً عن أنّ جميع القدرات التكنولوجية والخبرات العلمية المكتسبة والتي ساهمت بتطوير هذا المشروع سيتم نقلها والانتفاع بها في المشاريع المستقبلية لمختبر الأقمار الصناعية المكعبة.
التدريب والتأهيل
من جانبها تشير الدكتورة ريم فارس، أستاذة مساعدة، قسم الفيزياء، كلية العلوم، جامعة الإمارات العربية المتحدة، إلى أنّ استثمار الإمارات في الفضاء يعدّ مشروع ناجح ورابح للدولة، المواطنين والمقيمين.
وتضيف لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، أنّه رغم أن استثمار الإمارات في علم الفضاء حديث نسبياً، مقارنة بدول أخرى، إلاّ أنّ النجاح الباهر الذي حققته الإمارات في هذا المجال يُعتبر مثالًا يُحتذى به.
وتشير إلى أن المهمّات الفضائية العديد تتطلب سنوات من التحضير والتمويل قبل الإطلاق، معتبرة مهمّات الإمارات هي من أكثر المهمّات التي أُنجزت بسرعة، وحققت نجاحاً لافتاً.
وتلفت إلى أنّ برامج المهمّات الفضائية تعزز مرتبة الإمارات عالمياً كدولة مستثمرة وناجحة في علم الفضاء، إذ يحمل روّاد الفضاء الإماراتيين مهامّ علميّة وبحثية إلى محطّة الفضاء الدولية.
وتشير فارس إلى أنّ لدى قسم الفيزياء في جامعة الإمارات مسار دراسي في علم الفضاء، كما تمّ تطوير ماجستير علم الفضاء في الجامعة أيضاً. فضلاً عن وجود طلبة دكتوراه في هذا المجال.
وتستطرد: "ندرّب التلاميذ منذ دخولهم الجامعة في هذا الاختصاص حتى تخرجهم، بالإضافة إلى المواد العلميّة، نؤمن للتلاميذ التدريب التقني سواء في المركز الوطني لعلوم الفضاء والتكنلوجيا التابع للجامعة أو في أماكن أخرى، إذا رغب التلاميذ التدرّب خارج الجامعة".
كما تقدّم الإمارات، من خلال مركز محمد بن راشد للفضاء ووكالة الفضاء الإماراتية العديد من ورشات العمل لتأهيل التلامذة ممّا يساعد في إعدادهم للعمل.
يتفق الدكتور إلياس فرناني مع ما ذهبت إليه الدكتورة ريم فارس حول اهتمامات الجامعات الإماراتية بتدريب الكوادر، إذ يقول: "أصبحت لمعظم الجامعات على مستوى الإمارات برامج لتدريس الهندسة الفضائية وبرامج فضائية لشهادة الماجستير".
وعن جهود جامعة الشارقة يقول: "لقد بدأت جامعة الشارقة منذ ثلاثة سنوات بطرح الماجستير في الفلك وعلوم الفضاء، ولقد تم تخريج طالبين السنة الدراسية الماضية، ونرتقب تخريج ثلاث طلاب مع نهاية هذه السنة" لافتاً إلى أن الاهتمام بمجال الفضاء بين الطلاب ستزيد وتيرته، بسبب تزايد عدد فرص العمل في هذا القطاع".
مشروعات وعوائد
تعدِّد الدكتورة ريم فارس عوائد الاستثمار في علم الفلك:
- يسمح أولاً بنمو المعرفة، حيث تسمح الاكتشافات في هذا المجال بزيادة فهمنا لعالمنا وكوكب الأرض، وكيف تطوّرت الحياة عليه.
- نظراً لما يتطلبه علم الفلك والفضاء من التقدّم التقني وتحليل البيانات، تتطور صناعة الفضاء، وتزيد بالتبعية الحاجة إلى تطوير علم البيانات واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات.
- الاستثمار في علم الفضاء يخلق فرص عمل عدّة للتلاميذ، في مجالات مختلفة. كما إنّه يضع الجامعة في مراتب متقدّمة عالمياً.
من جهته يقول الدكتور إلياس فرناني، إنّ جامعة الشارقة تشارك كباقي الجامعات في الدولة بعمق في مشاريع ابتكارية في مجال الفضاء فيما يتعلق بدورها القيادي كأول جامعة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبحسب فرناني فإن أبرز مشاريع جامعة الشارقة هي:
- تحلية المياه باستخدام الخلايا الشمسية المبتكرة للطاقة النظيفة والمتجددة.
- استخدام الأقمار الصناعية لرصد الأرض لنظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد
كما تسعى جامعة الشارقة إلى تلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية لمجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها، من خلال تقديم برامج أكاديمية ومهنية مبتكرة مصممة لعالم اليوم الحديث المتنوع والديناميكي. ومن المشاريع والمبادرات الخاصة الأخرى:
· أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفلك والفضاء (SAASST) التي أطلقت قمر اصطناعي "الشارقة-سات-1" الذي سوف يدرس المناخ الفضائي
- مؤسسة كلية الحوسبة والمعلوماتية
- واحة الشارقة للتكنولوجيا والابتكار (SOTI)
ويختتم فرناني بالتأكيد أنّ أكاديمية الشارقة لعلوم وتكنولوجيا الفلك والفضاء ستوفر مشاريع فضائية رائدة تقدم لدولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها خدمة فضائية فريدة من نوعها في العالم العربي. موضحاً أنّ كل هذه الجهود سوف تسهم في تكوين أجيال من الكوادر القادرة على بناء برنامج فضائي متكامل، تكون دولة الإمارات رائدة فيه بين كل دول العالم.